عن عقد تجاري بيعت سوسن بموجبه …
[vc_row][vc_column][vc_column_text]
لا تزال سوسن تذكر تماماً كيف اندسّ في فراشها وهي لم تنهِ الثالثة عشرة من العمر. إحتضان الوالد لطفله، في العادة، تعبير عن حنان يُشعر الأطفال بأمان وجود الأب. لكن إحتضانه، مصحوباً بلهاث رغبته، كان أبعد ما يكون عن ذلك. منذ ذاك، إفتقدت الأمان والحنان إلى الأبد.
في تلك السن المبكرة، بدأت ممارسة الجنس لقاء المال، بتسهيل من والدها الذي واظب على إستغلالها لملذّاته الجنسية. رغبات الأب تلتها نزوات الأخ واعتداءاته. عندما زوّجاها من رجل يكبرها بعشرين عاماً، إعتقدت أنهما أرادا أن يغسلا العار الذي خطّاه في حياتها. تقول «كنت طفلة لا أفقه شيئاً وكان كلّ همّي أن أغادر البيت المليء بالكره والمشاكل». لكنها إكتشفت أن الزواج كان عبارة عن عقد تجاري «بيعت» بموجبه. و أساساً، لم تُسأل رأيها في الرجل الذي إختاره أبوها وأخوها لها، وكانّ السؤال لمن هم في مثل وضعها ترف لا يمتلكونه. «إكتشفتُ أنني إنتقلتُ من تحت الدلفة لتحت المزراب فقد كان زوجي أوسخ من أبي وأخي، فقد أكمل ما بدآه». «إكتشفتُ أنه تزوّجني ليشغّلني. كان يضربني ويعاشرني بالقوة، قبل أن أكتشف أنّه نقل لي مرض السيدا». زواج سوسن إنتهى بالطلاق بعد مشوار طويل من العذاب، لتقيم مع إبنها في غرفة في إحدى الضواحي الفقيرة.
أن تكون فلسطينياً في لبنان، يعني أن تكون ممنوعاً من مزاولة عشرات الأنواع من الأعمال والمهن. فما بالك بمن لم يعرف طريقاً الى المدرسة يوماً. عملت سوسن في تنظيف المنازل لقاء 15 ألف ليرة يومياً، وفي تنظيف أحد المطاعم لقاء 300 الف ليرة شهرياً، لم تكن تكفي لسد رمقها ورمق وحيدها. «سكّرت الدنيا في وجهي». وحده طريق الدعارة بقي مفتوحاً، ووحده كان السبيل لتأمين ما يراوح بين 60 و70 الف ليرة، تحصّلها من ثلاثة زبائن يومياً على الأقل، يفرغون في جسدها كل تهويماتهم ونزواتهم. أساساً لم تعد تشعر أن هذا الجسد ملكٌ لها وهي ترى نظرات الرغبة تنهش فيه في عيون كل من حولها، أقرباء واصدقاء وغرباء. رغبة ممزوجة باحتقار وتعيير: «متاعة مخدرات»، «متاعة دعارة»، «من شاب لشاب». حتى عندما قصدت أحد المراكز الصحية، لتلقي العلاج من مرض جلدي، لم تسلم من غمزات الممرضة التي عاملتها باحتقار ولا من تحرّشات الممرّض الذي لم يتورّع عن لمسها بحجة فحصها. قامت تلك الممرّضة بحقنها فتخدّر جسدها حتى أصبحت غير قادرة على الحركة والمقاومة فقام الممرّض بإغتصابها.
المستوصف كان بحراسة قوى الأمن، «لكن لم أشعر أن عليّ أن ألجأ إلى أحد. أصلاً لا جدوى من الشكوى لأن أحداً لن يصدّقني. أنا، بالنسبة إلى كل من حولي، ممتهنة دعارة، وهذا يسمح لهم باحتقاري والتحرّش بي والإعتداء عليّ من دون خشية من أحد».
مع إرتفاع دخلها زاد مصروفها. فالعمل في هذه «المهنة» يفتح الباب أمام كل أنواع المشاكل، ليس الادمان أقلها، ظنّاً بأنه أهون السبل إلى نسيان الواقع. جرّبت كل أنواع المخدرات: سلفيا، كوكايين، حشيش، بنزيكسول، ريفوتنيل، فراولة… ناهيك عن الحبوب المهدّئة: إكزاناكس وترامال وغيرهما. أدمنت الكحول أيضاً بما يصل الى ثلاث زجاجات من الويسكي يومياً في بعض الأحيان. الغريق لا يخشى من البلل. والإدمان لمن يعاني، مثلها، من أمراض في الكلى وفيروس نقص المناعة البشري وتشمّع الكبد ومشاكل في القلب، ليس أكثر من «فشّة خلق» و«محاولة للنسيان»، والخروج من حال الكآبة والإنطوائية التي قادتها مرّات كثيرة الى التفكير بالانتحار.
أوقفت سابقاً خمس مرات بتهمة إستخدام المخدّرات وبسبب الدعارة. إعتادت، في كلّ مرة توقف فيها، على لكمات عناصر الدرك وصفعهم لها وتوجيه الإهانات إليها. هم أيضاً ينهشونها بنظراتهم وبالرغبة التي تتفجّر من عيونهم، بحسب قولها. الإهانات نفسها تتلقّاها من زميلاتها من نزيلات السجن حيث تقبع اليوم. سوسن في الخامسة والثلاثين من العمر (مواليد 1982). ليس في شريط حياتها العبثية، عندما تستعيده، ما يشير إلى ضوء في نهاية النفق. «وحده ابني اللي برا بيحرقلي قلبي». ووحده ما يجعلها تشعر بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]