عندما تكون الحلقة الأضعف
[vc_row][vc_column][vc_column_text]
لم تكن الحياة في سوريا وردية، لكنها، على أية حال، لم تكن لتصل الى هذا السواد الحالك. ليس لشَهَد من إسمها نصيب، بل المرارة وحدها ما عرفته في سنيّها الـ 25. زواجها وثمرته، إبنها الوحيد، كانا وسيلة لمحاولة نسيان وحشية الأب. لا تذكر منه إلّا الضرب المبرح لها ولوالدتها عندما كانت لا تزال دون الثامنة. في تلك السن المبكرة طلّق والدها والدتها واختفى إلى غير رجعة. ومنذ ذاك، لم تعد تعرف عنه شيئاً. ذهب، لكنه لم يأخذ معه الحقد الذي زرعه في صدرها. الحرب التي كبرت ككرة ثلج أجبرتها، مع عائلتها، على مغادرة سوريا.
كان ذلك عام 2013، وكانت الوجهة إحدى ضواحي شرق بيروت. بالمساعدة المتواضعة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبأشغال متفرقة كان يؤديها الزوج، كانت العائلة الصغيرة تواجه شظف العيش… إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان. سُجن الزوج قبل نحو سنة فوجدت نفسها وإبنها، فجأة، أشبه ما يكونان بورقتين في مهب الريح. عبثاً، بحثت عن أي عمل يسدّ رمقها ورمق وحيدها. لجأت إلى إحدى صديقاتها طالبة المساعدة، فوصلتها بـ«رب عمل» يقيم في بلدة حدودية في جنوب لبنان. قبلت بعرض العمل كعاملة نظافة، وتوجّهت إلى البلدة النائية. فور وصولها، صادر الرجل أوراقها الثبوتية. أيقنت عندها أنها سقطت في بئر بلا قرار. لم يكن لعمل شَهَد أي علاقة بـ«النظافة». كان الرجل يملك مطعماً ملحقة به غرفتان تقيم فيهما فتاتان سوريتان أجبرهما على إمتهان الدعارة.
هكذا إلتحقت بـ«عملها» الجديد. يسمّون ذلك الجنس مقابل المال. لكنها كانت تقدّم الجنس من دون أن تتلقى في المقابل إلا ما كان الرجل «يتكرّم» عليها به. في اليوم الواحد، كانت تقدم «خدماتها» إلى ما لا يقل عن ثلاثة زبائن. يدفع الزبون 100 ألف ليرة تتقاضى منها 20 ألفاً فقط ترسلها الى إبنها الذي لم ترد أن تعطي تفاصيل عن مكان إقامته. بعض الزبائن من النوع السادي. أحدهم كان يستمتع بتعذيبها وشتمها وإحراقها بالسجائر قبل إغتصابها. آخر كان يستمتع بمشاهدتها تمارس الجنس مع أربعة رجال معاً. آخرون كانوا يجبرونها على احتساء الكحول حتى إقتربت من الإدمان مع وصول معدّل ما تتناوله يومياً إلى 15 كأساً. هكذا باتت في وسط الدوامة. دوامة الدعارة والإدمان، ليس على الكحول فقط، وإنما على مهدئات الأعصاب أيضاً. من في مثل حالتها يشكّلن الحلقة الأضعف لكل من هم حولها.
سلسلة إنتهاكات تتعرّض لها تمتد من المشغّل إلى الزبائن وصولاً إلى الطبيب المعالج التي يستقبلها مع صديقاتها بإذن من المشغّل. عندما قصدت الطبيب بسبب إلتهاب في الرقبة وأوجاع الديسك التي تطحن مفاصلها لم يكلّف نفسه حتى عناء إخضاعها لفحص طبي أو حتى وصف اي تحاليل أو طلب صور. واكتفى بالقول لها باستخفاف: «فيكي ترجعي عالشغل ما بكي شي فيكي ترجعي لشغلك». وكان يبقي كلامه موجهاً للمشغّل طوال فترة الزيارة. أما سكرتيرة الطبيب فكانت تنظر إليها باستهزاء. كآبة حادة استحوذت عليها وشعور عارم بلا جدوى البقاء على وجه الأرض. إستلاب كلي لا تعرف كيف تمكنت معه من الوصول إلى قرار الهروب إلى بيروت. قرار، رغم بساطته، يحتاج إلى شجاعة كبيرة لمن هن في مثل وضعها.
توجّهت إلى العاصمة وادّعت على مشغّلها بتسهيل عملها في الدعارة. هي اليوم تقبع في أحد السجون. هناك، خلف جدران السجن، يتواصل مسلسل الإنتهاك. أبطاله، هنا، ليسوا أقل قسوة من أبطاله في الخارج. زميلاتها من النزيلات اللواتي يفترض أنهن أكثر تفهماً لا تسلم من سخريتهن الدائمة ومن تعييرها بـ«عملها» السابق. فيما رجال الشرطة لا يوفرونها من غمزهم ولمزهم. في النهاية، هي كانت «من حضن رجل إلى حضن آخر»، كما يقولون لها باستمرار. وفي هذا إيحاءات تشعر معها بأنها أبعد ما تكون عن الأمان الذي تنشده.
هذه القصة هي جزء من سلسلة قصص مستوحاة من واقع حياة عدد من السيّدات في لبنان يتم نشرها ضمن إطار مشروع “دعم حقوق النساء المهمّشات في لبنان”. يتم توثيق هذه الحالات من قبل كلٍ من جمعية العناية الصحيّة، جمعية عدل ورحمة وجمعية دار الأمل. تمّ تطوير هذه المنشورة بفضل دعم الشعب الأميركي من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). إنّ محتويات هذه المنشورة هي مسؤولية الإستشاري، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر أو آراء الوكالة الأميركية للتنمية أو حكومة الولايات المتحدة.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]