Articles

حين تتكسّر أحلام مراهقة

[vc_row][vc_column][vc_column_text]

وٌلدت أحلام في كنف أبٍ محب وأم مكتئبة تعاني من اضطرابات في الشخصية. كانت تعيش مع أخواتها الثلاث في إحدى القرى الشمالية المحافظة. لم يتسنَ لها أن تختبر مراحل الحياة وتعيش مراهقتها وتكمل تحصيلها العلمي. كانت أنظارها متوجهة إلى حياة أخرى، إلى حب ظنّت أنّه سيُسعدها كما تحلم كثيرات، لكنه إنتهى بطلاق، مُخلّفاً وراءه طفلة صغيرة. محطّات كثيرة إجتازتها وأخرى تقف عندها مراراً وتكراراً، عالقة في دوامة مغلقة عاجزة عن الخروج منها. من مراهقة إلى إمرأة تمارس الجنس مقابل المال فأم لولدين غير مسجّلين، حياة مليئة بالإنكسارات إنتهت بمحاولة الإنتحار والنجاة بأعجوبة. في هذه السطور تروي أحلام قصتها بكل تقلباتها…

أحداث كثيرة ومتتالية قلبت حياة أحلام رأساً على عقب. أخفقت في أحيان كثيرة وعاكسها الزمن في أوقات أخرى. خيارات خاطئة دفعت ثمنها غالياً وإنتهاكات معنوية ونفسية قست عليها وجعلتها تعيش في دوامة مقفلة مع خساراتها. تروي أحلام قصّتها بعناوينها العريضة مسترجعةً بداياتها..”تزوجتُ من أحد أقاربي عندما كنت في السابعة عشر من عمري لكننا تطلقنا بعد فترة بسبب مشاكل بين العائلتين. لم يُكتب لزواجنا النجاح لكن وجعي الكبير كان بسلب أمومتي بعدما حرمتني المحكمة حضانة طفلتي الصغيرة”. كانت هديتها الوحيدة قبل أن تفقدها لأسباب خارجة عن ارادتها. تزوجت باكراً وهي ما زالت مراهقة في أوّل عمرها، ودفعت ثمن ذلك لتتوالى الأحداث تباعاً.

برأي أحلام، أن وضع والدتها الصحي والنفسي كانا السبب وراء قرار المحكمة. عادت إلى منزل والديها لكنها سرعان ما إصطدمت بالشائعات حول سلوكها وعلاقاتها العاطفية ممّا أدى إلى إحتجازها في المنزل. هكذا كُتب عليها أن تعيش ذنباً لم تقترفه وتُحرم من الحياة الطبيعية والدعم النفسي والمعنوي. معاملتها السيئة والقاسية جعلتها تبحث عن مخرجٍ سيُكلفها الكثير الكثير.

خفايا عالمٍ مجهول

لم يكن أمامها خيارات كثيرة، كان عليها أن تخرج من هذا السجن. تقول “هربتُ من المنزل وتوجهتُ إلى منطقة نهر الموت حيث عملتُ في شركة تنظيفات وإستأجرتُ شاليهاً صغيراً للعيش فيه. لم أكن أبحث سوى عن لقمة العيش، ومع مرور الوقت تعرفتُ على ثلاث جارات يمارسن الجنس مقابل المال. هكذا بدأتُ أتعرّف وأسال عن هذا العالم الغامض قبل أن تبدأ رحلتي فيه”.

هناك، بين الأضواء والزبائن، تعرّفتْ أحلام على زوجها الثاني ومن أجله تركتْ ممارسة الجنس مقابل المال وقلبتْ تلك الصفحة السوداء من حياتها. تتحدث عنه بحب.. “كان زوجي سوري الجنسية وأنجبتُ منه طفلاً. كان طيباً معي وداعماً لي وبفضله إجتمعتُ بعائلتي من جديد. لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً، فبعد اندلاع الحرب السورية أُجبرت زوجته السورية على المجيء إلى لبنان لتندلع المشاكل بيننا حتى انتهت في نهاية المطاف إلى الطلاق”.

من إمرأة مطلّقة إلى إمرأة ضائعة غارقة في همومها. عادت أحلام إلى ممارسة الجنس بمقابل مجدداً. لم تكن تعرف أنها عالقة في الدوامة نفسها. عوامل نفسية كثيرة جعلتها ضحية سلوكيات خاطئة وصورة مهتزّة عاجزة عن إيضاحها في عقلها. كانت تبحث عن رجلٍ قادرٍ على محبتها ليكون هذا الشريك الذي لم تعرف معالمه كثيراً. عادت إلى ممارسة الجنس مقابل المال لتتعرّف على أحدهم وتُنجب منه طفلين غير مسجلين حتى اليوم. تصف أحلام حياتهما على أنها “أشبه بلعبة اليويو، يوم حلو ويوم مرّ. هي عبارة عن خلافات مستمرة يتخللها فترات من الهدوء والهدنة. لكنّ ذلك لم يدم كثيراً، فبعدما قام بضربي قررتُ اللجوء إلى إحدى الجمعيّات بحثاً عن مكان آمن”…

محاولة انتحار فاشلة

أحداثٌ متتالية رسمت حياتها المتقلبة. في الجمعية، المكان المفترض أن يكون آمناً، بدأتْ فصول جديدة وإنتهاكات نفسية. “إعتبرتْ المساعدة الإجتماعية أنه بسبب ممارستي الجنس مقابل المال وتعرضي للعنف، بأنني غير مؤهلة لتربية طفلي، فقامت بفتح ملف حماية للطفل بدون علمي”. لم يشرح أحد لأحلام سبب قرار الجمعية ولماذا عليها ان تُحرم من طفلها، هل بسبب عملها او مشاكلها النفسية وغيرها، علماً ان هناك اشخاصاً كثراً يعانون بعض المشاكل لكنهم قادرون على تربية اطفالهم.</p.

وتضيف أحلام قائلة “حاولتُ عدة مرّات إقناعهم بأنني لا أريد التنازل عن إبني وأريد الرحيل ببساطة لكنهم منعوني من ذلك. جهودي اليائسة في استرجاع ولدي دفعتني إلى محاولة الإنتحار عبر الشنق، حيث إستخدمتُ حزام الجاكيت وحاولتُ قتل نفسي في الحمام. لم يكن أمامي الكثير من الخيارات، كنتُ حزينةً ويائسةً. لم أجد من يمدّ لي يد العون. كل ما وجدته أحكام تنهال عليّ وقرار بحرماني من طفلي. محاولة انتحار جعلتني أمكث مدة شهرين في قسم العلاج النفسي في المستشفى”.

لم تفهم أحلام كيف إرتأت المساعدة الإجتماعية أنّها غير مؤهّلة لتربية طفلها وأنّه في خطر معها. فمن تخرج مع الزبائن ليست أهلاً لتربية طفل. وعوضاً عن مساندتها ومساعدتها، قامتْ بحجز أوراقها الثبوتية ومنع التواصل مع طفلها بعد خروجها من المستشفى وعدم الإقتراب منه. تردف أحلام “لم أفهم كيف وجدوا أنّي أشكّل خطراً على طفلي. لم تُسجل بحقي أي حالة تعنيف أو إساءة تجاهه. لقد أسئتُ إلى نفسي ولكن ليس تجاهه”.

ثلاثة أشهرٍ لم ترَ أحلام طفلها إلى أن حكم القاضي بحق إسترجاعه. إنتهاكٌ معنوي جعلها تفقد الأمل في الحياة. لم يكن يكفيها كلام الناس المؤذي والقاسي، فكان عليها أن تتحمّل من كان من المفترض أن يساعدها لا أن يُحاكمها.

إعتداءٌ نفسي وسوء معاملة 

“أثار وجودي في المستشفى بلبلة بين العاملين فيها”، حسب أحلام “كنتُ أسمعهم يقولون مدري ليش منتحرة، شو في وراها هالقصة، أكيد جوزا كامشا مع حدا …. إقترب مني رئيس قسم الممرضين وسألني عن سبب وجودي هنا، فقلتُ له، بسبب محاولتي للإنتحار. بدأت جلسة الإستجواب: “إنتو بتطلعوا مصاري كتير ونازلين عحساب الوزارة؟ آخذين محلات ناس معترين وإنتو ما بتستاهلوا؟”

منذ ذلك الحديث، بدأ يُسيء معاملتي ويتأخرعن مواعيد أدويتي ولم يسمح لي بالتواصل مع الجمعية. لم يفوّت فرصةً إلا ويُهينني، وعندما أُصارحه برغبتي في الخروج من المستشفى يرد بسخرية  “ليش عبالك ترجعي تضهري تشتغلي دعارة؟”

تعرّضت أحلام للكثير من الإساءات. لم تكن في وضع يسمح لها بالردّ والدفاع عن نفسها. كانت في قرارة نفسها تشعر أنها ضعيفة ولن تقوى على مجابهة كل هؤلاء الأشخاص. جميعهم أقوى منها، ماضيها الذي يرافقها لم يرحمها، كان بمثابة سجن دائم لها.

هذه هي قصة أحلام .. ترويها بكل تقلباتها وفصولها الحزينة، لم تجد أحداً ينتشلها من هذا المستنقع الغميق.

هذه القصة هي جزء من سلسلة قصص مستوحاة من واقع حياة عدد من السيّدات في لبنان يتم نشرها ضمن إطار مشروع “دعم حقوق النساء المهمّشات في لبنان”. يتم توثيق هذه الحالات من قبل كلٍ من جمعية العناية الصحيّة، جمعية عدل ورحمة وجمعية دار الأمل. تمّ تطوير هذه المنشورة بفضل دعم الشعب الأميركي من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). إنّ محتويات هذه المنشورة هي مسؤولية الإستشاري، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر أو آراء الوكالة الأميركية للتنمية أو حكومة الولايات المتحدة

بقلم ليلي جرجس

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]

Leave A Comment

Your Comment
All comments are held for moderation.